إياكم والبغي ... !
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى- : (وما اخْتلف الذين أُوتُوا الْكتاب إلا منْ بعْد ما جاءهُمُ الْعلْمُ بغْيا بيْنهُمْ) (آل عمران:19)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (دب إليْكُمْ داءُ الأُمم قبْلكُمْ : الحسدُ والبغْضاءُ، هي الحالقةُ، لا أقُولُ تحْلقُ الشعر، ولكنْ تحْلقُ الدين) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
إن من أعظم أسباب الاختلاف المذموم بين المسلمين : البغي، والاستطالة على المسلمين والمؤمنين؛ قال -تعالى- : (وما تفرقُوا إلا منْ بعْد ما جاءهُمُ الْعلْمُ بغْيا بيْنهُمْ) (الشورى:14).
والذي يؤدي إلى البغي : الكبْر المنافي للتواضع، والتنافس على الرئاسة والوجاهة في سائر الشهوات.
ووالله إن النصيحة للمسلمين واجبة، وكشف الباطل وبيان الحق واجب، والحرص على إمامة المتقين من صفات عباد الرحمن، وإن لم تكن بالضرورة عن طريق الرياسة عليهم؛ فكم من إمام للمتقين وهو في زمرة المغمورين الخاملين، رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم بالله لأبره، ولكن المشكلة الحقيقية في النية والإخلاص، والزهد الحقيقي في الدنيا، وترك البغي والاستعلاء.
وقد نصح الخليفة وزراءُ السوء بالخروج إلى "هولاكو" بالهدايا والتحف، فقبل صاغرا؛ فأهين أعظم إهانة؛ حتى قُتل -رحمه الله وغفر له، ولجميع المسلمين والمسلمات-.
وكذلك من تأمل أحوال ملوك الطوائف في الأندلس قبل سقوطها الذريع في أيدي الفرنجة، وما فعلوه بأهلها من الظلم، والقتل، وانتهاك الحرمات، وأعظمها : فتنتهم عن دينهم - رأى كيف كانت الصراعات بينهم، وموالاتهم للنصارى على بعضهم البعض من أعظم أسباب الانهيار!
فالتنافس على الدنيا سبب البغي، والبغي سبب الاختلاف والفرقة، وهي سبب الضعف، وسبب تسلط الأعداء.
ولا علاج لذلك إلا بإخلاص النية لله -سبحانه-، والتنافس على الآخرة، كما أمرنا الله فقال : (لمثْل هذا فلْيعْمل الْعاملُون) (الصافات:61)، وقال : (ختامُهُ مسْك وفي ذلك فلْيتنافس الْمُتنافسُون) (المطففين:26).
فالتنافس على الآخرة لا يجلب حسدا ولا حقدا، ولا ضغائن ولا بغيا، وإنما يشعر حبا صادقا وتألفا ووحدة في الصف، وقوة على الأعداء.
والحقيقة أن كثيرا مما يجري بين الاتجاهات الإسلامية المعاصرة من اختلافات مريرة على : المناهج، والأفكار، والأولويات، والأعمال؛ سببه البغي، وحب الرئاسة، وكثرة الأتباع؛ وإلا لما قطفت هذه الثمار المرة في التعاملات التي تجري بين هذه الاتجاهات وأفرادها.
ومن أعظم أسباب العلاج وأهمها : أن نعلم حرمة المسلم، وحرمة البغي والاستطالة عليه أيا من كان "ما دام قد بقي في دائرة الإسلام، ولم يخرج منها إلى الكفر"، فنتعامل بشرع الله مع من عاملنا به ومع من لم يعاملنا؛ فـ"ما عاقبت من لم يتق الله فيك بمثل أن تتقي الله فيه!".
والحذر واجب في تناول أحوال المخالفين من الوقوع في الغيبة باسم النصيحة، ومن تلمس العثرات، والفرح بالسقطات، تحت شعار : "بيان الحق!"، ومن خديعة الشيطان بالتنافس على المنازل والرياسات الدنيوية تحت شعار : "الحرص على إمامة المتقين!".