هل يطير النعش ؟
من المضحكات المبكيات أن الناس لا يزالون يصدقون خرافة أن النعش يطير بصاحبه، وأن الميت يوجه النعش حيث يشاء ليدفن في المكان الذي يحب.
هذه الخرافة التي لا تنطلى إلا على السذج والبسطاء من الناس لا أساس لها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والغرض من هذه الخرافة التي ظلت تتردد على الألسنة، وتتوارثها الأجيال التابعة لدولة الدراويش هو أن يزرع الميت الذي قيل كذبا أنه طار في مسجد من المساجد ليبني عليه ضريحا، وليوضع بجانبه صندوق للنذور، لتمتلئ جيوب السدنة، والمحاسيب بالباطل.
ولو رددنا ذلك إلى الكتاب والسنة لوجدنا ما يلى :
أولا : في كتاب الله :
يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ في بُيُوتٍ أذن اللهُ أنْ تُرْفع ويُذْكر فيها اسْمُهُ يُسبحُ لهُ فيها بالْغُدُو والْآصال * رجال لا تُلْهيهمْ تجارة ولا بيْع عنْ ذكْر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافُون يوْما تتقلبُ فيه الْقُلُوبُ والْأبْصارُ ﴾ [النور:36 - 37]، ويقول سبحانه: ﴿ لمسْجد أُسس على التقْوى منْ أول يوْمٍ أحقُ أنْ تقُوم فيه فيه رجال يُحبُون أنْ يتطهرُوا واللهُ يُحبُ الْمُطهرين ﴾ [التوبة: 108] ويقول سبحانه : ﴿ وأن الْمساجد لله فلا تدْعُوا مع الله أحدا﴾ [الجن: 19].
ثانيا : في السنة المطهرة :
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدفن أحد في مسجد لأن هذا تقليد لليهود والنصارى، وهو من أشد أسباب سخط الله عليهم.
ففي حديث البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
قالت عائشة رضي الله عنها : ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا.
وفي مسلم عن أبي هياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة، وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير وتماثيل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة).
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم لا تجعل قبري عيدا - اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد - اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
بعد هذا السرد الطويل الذي كثيرا ما يردده أهل التوحيد والموحدون ، نرى في قرية من القرى المجاورة لمدينة الجمالية - دقهلية - قوما ادعوا أن نعش ميت طار به، وحط في مكان معين، وسرعان ما صدقوا الأكذوبة التي أطلقوها، وسارعوا ببناء قبة عليه، وأجروا عليه الطقوس التي لا تجرى دائما إلا في مملكة الدراويش كلما هلك هالك منهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة الإسلامية فلا يجد جوابا هو : هل يطير الموتى بنعوشهم؟ وإذا كان هذا حقا - وهو ليس كذلك - فمن الذي يطير؟ وهل يطير لأنه رجل صالح! أم يطير لأنه رجل طالح فإن كان الميت قد طار لأن عمله صالح فلماذا لم يطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ولماذا لم يطر خلفاؤه الكرام، وأصحابه رضي الله عنهم وهم أفضل خلق الله بعد أنبيائه ورسله؟
وإذا كان الميت يطير لأن عمله طالح فكفى به إثما أن يكون ذلك ولكن لماذا أيضا لم يطر أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة ومن على شاكلتهم من أئمة الكفر؟. الحق أن هذا خلط أراد به المبتدعون في دين الله أن يلبسوا على الناس دينهم.
وإن قال قائل :
إن دفن الموتى في المساجد حرام. قالوا له فما بالك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي دفن في المسجد. وقد نسوا أو تناسوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض) وقد مات - صلى الله عليه وسلم - في حجرة عائشة فكان من الطبيعي أن يدفن فيها وكانت الحجرة خارج المسجد في الجهة الشرقية منه وظلت كذلك رغم التوسعات التي طرأت على المسجد من الجهة اليمني ومن الخلف حتى كان عام 88 هجرية في خلافة الوليد بن عبد الملك الذي أمر بتوسعة المسجد من جميع الجهات ليتسنى له طرد بقية آل البيت من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما لأنه كان يخشى من منافستهم له على الخلافة.
وبهذا دخلت الحجرة الشريفة إلى المسجد. والذي يجب أن نضعه في الحسبان قول أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما للوليد بن عبد الملك حينما سأله مفاخرا عليه بالبناء الجديد قائلا له : بناؤنا أم بناؤكم؟ فقال أبان بن عثمان : لقد بنيناه بناء المساجد أما أنتم يا بني أمية فقد بنيتموه بناء الكنائس بإدخالكم قبر رسول الله فيه وتصويركم فيه تلك الصور.
وقد يعجب الإنسان، ويزداد عجبه حينما يرى إذاعة القرآن الكريم لا تقيم الأمسيات الدينية إلا من هذه الأماكن التي بها الأضرحة وكأنه اعتراف منها بهذه الأماكن فقط دون سائر المساجد.
ولا يخفى على عاقل ما يحدث في هذه الموالد من بدع وموبقات، وشرب الخمر، وتدخين للحشيش، واختلاط للرجال بالنساء، وأكل لأموال الناس بالباطل، وطواف بالأضرحة والذي هو أمر من أمور الجاهلية سماه الله شركا، وقال فيه : ﴿ إن الله لا يغْفرُ أنْ يُشْرك به ويغْفرُ ما دُون ذلك لمنْ يشاءُ ومنْ يُشْركْ بالله فقدْ ضل ضلالا بعيدا ﴾ [النساء: 116] ﴿ إنهُ منْ يُشْركْ بالله فقدْ حرم اللهُ عليْه الْجنة ومأْواهُ النارُ وما للظالمين منْ أنْصارٍ ﴾ [المائدة: 72] وفي هذه العجالة السريعة نذكر المسلمين بقول الله سبحانه وتعالى القائل : ﴿ يا قوْمنا أجيبُوا داعي الله وآمنُوا به يغْفرْ لكُمْ منْ ذُنُوبكُمْ ويُجرْكُمْ منْ عذابٍ أليمٍ * ومنْ لا يُجبْ داعي الله فليْس بمُعْجزٍ في الْأرْض وليْس لهُ منْ دُونه أوْلياءُ أُولئك في ضلالٍ مُبينٍ ﴾ [الأحقاف: 31، 32].
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه